تُعتبر صناعة البناء والتشييد من أكبر الصناعات المتسببة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث ينتج قطاع البناء والتشييد ما يقرب من 39% من انبعاثات الكربون و33% من النفايات.
وللحد من البصمة الكربونية وتوفير الموارد الطبيعية، بدأت صناعة البناء في تبني ممارسات مستدامة مثل استخدام المواد المُعاد تدويرها والطاقة المتجددة، وتقنيات المباني الخضراء ومع ذلك، فإن استدامة البناء لا تتعلق فقط باستخدام المواد الصديقة للبيئة؛ بل ترتبط أيضًا بالحد من النفايات، وتحسين كفاءة البناء، وتعزيز القدرة التشغيلية للمباني.
ما هو البناء الأخضر المستدام؟
البناء المستدام – والذي يُعرف أيضًا باسم البناء الأخضر– هو اتباع ممارسات مسؤولة بيئيًا ومكتفية من ناحية استهلاك الموارد طوال دورة حياة المبنى بدءًا من التصميم والبناء، والتشغيل، إلى التجديد أو الهدم، وذلك باستخدام طاقة، ومياه، ومواد أقل من ممارسات البناء التقليدية والحد من توليد النفايات.
تُساعد ممارسات البناء المستدام في الحد من التأثير السلبي لمشاريع البناء والتشييد على البيئة بما في ذلك الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والحفاظ على الموارد الطبيعية، ورفع جودة المعيشة بالإضافة إلى الجدوى الاقتصادية على المدى الطويل.
ممارسات وتقنيات البناء المستدام
هناك العديد من الممارسات لتعزيز الاستدامة في قطاع البناء والتشييد والتي تُساهم بشكلٍ فعَّال في الحد من الأثر البيئي للمباني مثل:
- استخدام مواد البناء المستدامة – يُساعد استخدام مواد البناء المستدامة في تقليل التأثير البيئي لمشاريع البناء، وتوفير الطاقة، وخفض التلوث، والحفاظ على الموارد الطبيعية بالإضافة إلى المساهمة في توفير بيئة داخلية صحية عن طريق الحد من استخدام المواد الكيميائية الضارة وتحسين جودة الهواء.
- استخدام أساليب المباني الخضراء – أصبحت طرق البناء الخضراء أكثر شيوعًا وغالبًا ما تستخدم هذه الأساليب المواد المستدامة وتقنيات البناء الموفرة للطاقة.
- استخدام تكنولوجيا البناء – يساعد توظيف التكنولوجيا في قطاع البناء شركات البناء على البناء بشكلٍ أكثر استدامة، وتقليل النفايات، وتحسين كفاءة البناء، وتوفير الطاقة ومن بين هذه التقنيات: الطباعة ثلاثية الأبعاد، ونمذجة معلومات البناء (BIM) وبرمجيات إدارة مشاريع البناء والتشييد.
- تنفيذ ممارسات البناء المستدامة – هناك العديد من ممارسات البناء المستدامة التي يمكن تنفيذها في مشاريع البناء مثل استخدام الأسطح الخضراء، وتركيب الألواح الشمسية، واستخدام أنظمة إدارة المياه الرمادية.
ما هي فوائد البناء الأخضر المستدام؟
تُساهم استدامة البناء في تعزيز جودة المعيشة بالإضافة إلى الحفاظ على البيئة ولتبني ممارسات الاستدامة في صناعة البناء والتشييد له العديد من المزايا من بينها:
- حماية البيئة: تُساعد ممارسات البناء المستدامة في حماية البيئة عن طريق الحد من التلوث والنفايات، واستخدام الموارد بشكلٍ أكثر كفاءة.
- تحسين الحالة الاجتماعية والاقتصادية: تُساهم ممارسات البناء المستدامة في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في الصناعات والمجتمعات المرتبطة بالبناء من خلال خلق فرص العمل وتوفير فرص التدريب.
- زيادة المرونة: يُساعد تطبيق ممارسات البناء المستدامة في زيادة مرونة المباني والبنية التحتية لتغير المناخ والتهديدات البيئية الأخرى.
- تحسين الصحة ورفع جودة المعيشة: أظهرت الدراسات أن ممارسات البناء المستدامة يمكن أن تؤدي إلى تحسين الصحة ويرجع ذلك إلى تحسين جودة الهواء الداخلي وزيادة الضوء الطبيعي في المباني المستدامة.
- تطوير تكنولوجيا البناء: غالبًا ما تؤدي ممارسات البناء المستدامة إلى استخدام تكنولوجيا البناء المتطورة والتي بدورها تساهم في الوصول إلى عمليات بناء أكثر كفاءة وفعالية، وتعزيز استخدام مواد بناء أقل ضررًا.
- تطوير إدارة البناء: يؤدي اعتماد ممارسات البناء المستدامة إلى تحسين إدارة البناء والإنشاءات من خلال تشجيع استخدام أساليب ومواد بناء أكثر كفاءة، ومن خلال تعزيز التواصل والعمل المشترك بين المتخصصين في البناء.
- تحسين أداء المباني: تساهم ممارسات البناء المستدامة في تطوير مبانٍ ذات أداء أفضل تستخدم طاقة ومياه وموارد أخرى أقل وتولد تلوثًا أقل.
- تخفيض تكاليف البناء: غالبًا ما يكون للمباني التي تم تصميمها وإنشاؤها باستخدام مبادئ مستدامة تكاليف تشغيل أقل من المباني التقليدية، ويرجع ذلك إلى تحسين كفاءة استهلاك الطاقة والمياه في المباني المستدامة.
التحديات أمام البناء المستدام
على الرغم من الفوائد العديدة لممارسات المباني الخضراء في كافة النواحي البيئية والاجتماعية والاقتصادية إلا أن صناعة البناء تواجه بعض التحديات في التحرك نحو ممارسات البناء المستدامة.
غالبًا ما تكون التكلفة هي العائق الأكبر، حيث يُمكن أن تكون ممارسات البناء المستدامة في بعض الأحيان أكثر تكلفة من طرق البناء التقليدية، إلا انها تساهم في توفير المال على المدى الطويل عن طريق تقليل كمية الطاقة والمياه اللازمة لتشغيل المبنى وصيانته. ويعتبر نقص الوعي أحد التحديات أمام تطبيق ممارسات المباني الخضراء لأن العديد من الناس ليس لديهم المعرفة الكافية بتقنيات البناء المستدام وفوائدها.
لا تزال هناك العديد من الحواجز التي تحول دون اعتماد ممارسات البناء المستدامة على نطاق واسع بما في ذلك متطلبات أكواد البناء وندرة الخبرات في المجال، وتعتبر الحاجة إلى أكواد بناء تساهم في تعزيز استدامة البناء أحد التحديات لأنها غالبًا ما تكون قديمة ولا تعكس أحدث التطورات في ممارسات البناء المستدامة، وتعد قلة الخبرة أيضًا عائقًا رئيسيًا لأن العديد من شركات البناء ليست على دراية بالممارسات المستدامة في قطاع البناء والتشييد، مما يجعل العثور على مقاولين على استعداد لتجربة أساليب جديدة ودمجها في مشاريعهم أمرًا صعبًا.
على الرغم من التحديات العديدة التي تواجه تطبيق أساليب المباني الخضراء، إلا أنه هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى تبني ممارسات البناء المستدامة والتي تُساعد بشكلٍ كبير في خفض التكاليف على مدى دورة حياة مشروع البناء، فضلاً عن تقليل التأثير البيئي والحد من البصمة الكربونية لعملية البناء بالإضافة إلى الفوائد الاجتماعية والاقتصادية التي تنعكس على المجتمع بأكمله.
البناء المستدام في المملكة العربية السعودية
حققت المملكة العربية السعودية تقدمًا ملحوظًا في استدامة البناء وتطوير المباني الخضراء الصديقة للبيئة في غضون العقود الثلاثة الأخيرة المشروع، حيث استحوذت المملكة على ما نسبته 15% من إجمالي مشروعات البناء الأخضر في منطقة الشرق الأوسط بعدد يزيد عن 300 مشروع بناء مستدام. ومن المتوقع أن يزداد عدد المشاريع المستدامة مع التوسع في استخدام تقنيات البناء الأخضر ودمج التكنولوجيا في تنفيذ مشاريع البناء والتشييد في المملكة في إطار رؤية السعودية 2030 للتحول الرقمي والتنمية المستدامة.
رؤية السعودية 2030
أطلقت المملكة العربية السعودية رؤية السعودية 2030 من قبل ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، والتي تهدف إلى تعزيز وتنويع الاقتصاد السعودي مع الحرص على أن تكون الاستدامة والحفاظ على البيئة محورًا أساسيًا في التنمية. وتتضمن الرؤية عدة مشاريع تنموية في مجالات التطوير الحضري، والطاقة المتجددة والنظيفة، والإسكان بالإضافة إلى الرعاية الصحية والسياحة. ومن أبرز مشاريعها:
مشروع نيوم أحد أكبر المشاريع التنموية على ساحل البحر الأحمر، ويمتد مشروع نيوم على أكثر من 450 كم بطول ساحل البحر الأحمر، وبتكلفة متوقعة تصل إلى 180 مليار ريال سعودي، وسيشتمل المشروع على مراكز أبحاث ووجهات سياحية وترفيهية ورياضية بالإضافة إلى المجتمعات العمرانية والتي تقدم نموذجًا جديدًا للاستدامة وحماية البيئة.
مشروع “ذا لاين” والتي تعتبر مدينة خضراء صديقة للبيئة بتصميم فريد حيث ستستمد ذا لاين طاقتها بالكامل من مصادر للطاقة المتجددة وستنفرد المدينة الممتدة على طول 170 كم وعرض 200 م بخلوها من السيارات مما يعني خلوها من الانبعاثات الكربونية
مشروع روشن بمساحة تصل إلى 200 مليون م² في أنحاء المملكة، ويهدف المشروع إلى تطوير أحياء سكنية بمعايير صديقة للبيئة تهدف إلى تعزيز جودة الحياة للمواطنين في المملكة.
مشروع تحلية المياه المالحة باستخدام الطاقة الشمسية يتكون المشروع من محطة لتحلية المياه باستخدام تقنيات التناضح العكسي بسعة تحلية 60 ألف م3 يوميًا وبقدرة تصل إلى 90 ألف م3 من المياه يوميًا، ومحطة للطاقة الشمسية بقدرة 10 ميجا واط لإمداد محطة التحلية بالكهرباء مما يساهم في خفض الانبعاثات الكربونية وتوفير المياه.
الكود السعودي للمباني الخضراء (SBC 1001)
أطلقت اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي، الكود السعودي للمباني الخضراء لتعزيز ونشر ثقافة البناء الأخضر للمساهمة في الحفاظ على البيئة وترشيد استهلاك الطاقة والحفاظ على الموارد، وتحسن جودة المعيشة. ويعتبر جزءًا من كود البناء السعودي الذي يتكون من أكثر من 10 أجزاء تحتوي على المتطلبات والاشتراطات اللازمة لضمان الاستدامة، والصحة العامة بالإضافة إلى سلامة المباني.
ويغطي كود البناء السعودي مجالات البناء سواء المعماري، أو الإنشائي، أو الكهربائي أو الميكانيكي أو الصحي، والحماية من الحرائق، ويحتوي أيضأ على دليل تصميم وبناء الأنظمة المبتكرة، وكود التربة والأساسات، وكود المنشآت الخرساني، والكود السعودي للخرسانة مسبقة الصب، بالإضافة إلى كود ترشيد الطاقة، والكود الصحي السعودي، كود الأحمال السعودي، وغيرها.
برنامج البناء المستدام
أطلقت وزارة الشؤون البلدية والقروية منصة البناء المستدام ضمن العديد من المبادرات التي تساهم في تعزيز استدامة المباني السكنية وتحسن جودة المعيشة، وتقدم المنصة العديد من الخدمات من بينها تقييم استدامة المباني ومدى مطابقتها لمعايير الاستدامة البيئية.
الاستدامة في قطاع الطاقة في المملكة العربية السعودية
في إطار استهدافها الوصول إلى الحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2060، أطلقت المملكة العربية السعودية العديد من مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة للحفاظ على البيئة وخفض البصمة الكربونية ضمن البرنامج الوطني للطاقة المتجددة تحت مبادرة خادم الحرمين الشريفين للطاقة المتجددة ورؤية المملكة 2030، وتسعى المملكة إلى إزاحة الوقود السائل واستبداله بمصادر طاقة نظيفة ومتجددة لتوليد الكهرباء.
مصنع إنتاج الألواح والخلايا الشمسية ومختبر الموثوقية
بهدف نقل وتطوير تقنيات الطاقة الشمسية لتناسب الظروف البيئية في المملكة، أنشأت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مصنعًا لإنتاج الألواح والخلايا الشمسية. ويتضمن المشروع عدة مشاريع فرعية مثل:
- مصنع إنتاج الألواح الشمسية بطاقة إنتاجية سنوية 100 ميجا واط
- مصنع إنتاج الخلايا الشمسية بطاقة إنتاجية سنوية 100 ميجا واط
- مختبر فحص موثوقية الألواح الشمسية، معتمد عالميًا لإصدار شهادات IEC
- مشروعات ضخ المياه بالطاقة الشمسية
- مشروعات استخدام الطاقة الشمسية لتشغيل المدارس
سكاكا للطاقة الشمسية تمتد المحطة الواقعة في منطقة الجوف على مساحة 6 كم² وتتكون من 1.2 مليون لوح شمسي بسعة إنتاجية 300 ميجا واط وتساهم في خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 606 ألف طن سنويًا.
محطة دومة الجندل لتوليد الطاقة بالرياح تقع المحطة في منطقة الجوف وتعتبر الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط بطاقة إنتاجية 400 ميجا واط وتكفي لتزويد 75 ألف منزل.
مشروع محطة الشعيبة للطاقة الشمسية الكهروضوئية ينتج المشروع الواقع بالقرب من مدينة جدة سعة إجمالية قدرها 600 ميجا واط، وقد حقق رقمًا قياسيًا في تكلفة الكهرباء المنتجة باستخدام الطاقة الشمسية.
محطة سدير للطاقة الشمسية الكهروضوئية تنتج محطة سدير للطاقة الواقعة في منطقة الرياض 1500 ميجاواط
نظام الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة والمعروف اختصارًا باسم ليد LEED
ما هو نظام ليد LEED؟ هو أحد الأنظمة العالمية لتقييم المباني الخضراء والمستدامة ويعتبر مقياسًا لتصميم، وإنشاء، وتشغيل المباني الصديقة للبيئة، ويتم تص المباني والمنشآت في نظام ليد LEED تبعًا للأثر البيئي لها وتشمل تلك المعايير: انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وتوفير استهلاك الطاقة، وكفاءة استخدام المياه، وتحسين البيئة الداخلية. يتم تصنيف المباني التي تنال شهادة LEED إلى 3 مراتب حسب تطبيقها للمعاير المطلوبة، وهي: المرتبة البلاتينية، الذهبية، والفضية، والموثقة.
حصلت العديد من المباني والمنشآت في المملكة العربية السعودية على شهادات الريادة في الطاقة والتصميم البيئي من بينها:
- جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية تُعتبر مباني الجامعة الممتدة على مساحة 5.5 مليون قدم مربع، أول مشروع يحصل على شهادة LEED البلاتينية للتصميمات الرائدة في المملكة العربية السعودية، ويُراعي تصميم جامعة الملك عبد الله عوامل توفير الطاقة والحفاظ على البيئة.
- مدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك) أول مدينة صناعية تحصل على شهادة الريادة (LEED)من الفئة الفضية في قطاع الطاقة والتصميم البيئي. وتمتد المدينة الصناعية على مساحة 50كم² في المنطقة الشرقية من المملكة وتهدف مدينة الملك سلمان للطاقة إلى تعزيز قطاع التقليدية والمتجددة، والتصنيع المتقدم، وتشمل المدينة الصناعية ميناء جاف ومنطقة لوجستية لدعم سلاسل التوريد في المملكة العربية السعودية.
- مركز الملك عبد الله المالي (كافد) حصل المركز على شهادة LEED البلاتينية في الطاقة والتصميم البيئي، ويُعتبر مركز الملك عبد الله المالي أكبر مشروع عقاري في العالم بمساحة إجمالية تبلغ 5ملايين متر مربع ويضم وحدات سكنية ومساحات مكتبية بالإضافة إلى مساحات التجزئة والمساحات الترفيهية
الخاتمة
بدأت صناعة البناء تدريجياً في تبني ممارسات المباني الخضراء، ولكن لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه لتسريع وتيرة الانتقال إلى البناء المستدام، من المهم زيادة الوعي بفوائد ممارسات البناء المستدامة وتقديم الدعم والمعلومات لأولئك الذين يعملون في صناعة البناء.
استخدم منصة PlanRadar مجانًا لمدة 30 يومًا أو اتصل بنا لمعرفة كيف يُمكن لمـنصة PlanRadar دعم مشروعاتك في التحول إلى الحياد الصفري الكربوني من أجل مستقبل مستدام.