يهدفُ أي مشروع بناء إلى شيئين هما خلق قيمة، وتحقيق أرباح. ويبدو هذا بسيطًا جدًا في البداية، لكن توجد الكثير من الأشياء في العملية يُمكن أن تكون خطأً وتتسبب في حدوث تغير على طول مسار المشروع، كما أن هناك الكثير من العوامل التي تُؤثر على مبيعاتنا ونفقاتنا. ويوجد الكثير من الأشياء التي يُمكن أن تُزيد من إنفاقنا على نحو غير متوقع حتى بعد إعداد ميزانية دقيقة ومُفصلة. وبالطبع فإن أكبر تكاليف ومدخلات لشركات البناء هي الموارد البشرية، وتكاليف المواد، وما قد يتم اغفاله هو “إعادة العمل”.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه شركات البناء هو خفض التكاليف العامة قدر الإمكان لكي تستمر في تحقيق الأرباح، وخاصة في ظل المُناخ الحالي. وعادة ما يتم هذا من خلال اختيار مواد ذات جودة أقل، أو خفض مدة العمل، أو توظيف مقاولين من الباطن أقل خبرة.
وعلى الرغم من اعتقاد بعض شركات البناء أن هذه التدابير ستُساعد في توفير المال، إلا أنها غالبًا ما تؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة تكلفة إعادة العمل، والتي يُمكن أن تصل إلى 20 % من ميزانية الشركات في بعض المشاريع.
سنستعرض في هذا المقال ماهية إعادة العمل، وما أسبابه، كما سنتعرف على الآثار المترتبة على تكاليف مشروع البناء نتيجة إعادة العمل، وكيف يساعد التحول الرقمي في خفض تكاليف إعادة العمل.
ما هو المقصود بإعادة العمل في صناعة البناء؟
تعني إعادة العمل في صناعة البناء الحاجة إلى تنفيذ عمل إضافي على مشروع ما بسبب عيوب، أو أوجه قصور، أو تغييرات حدثت خلال عملية البناء. وقد يشتمل هذا على تصحيح أخطاء في التصميم الأصلي، أو تحسين جودة مواد، أو تحسين عمل به عيوب، أو إدخال تعديل على الخطط بسبب تصميم خاطئ.
ويُمكن أن تكون الأعمال اللاحقة نتيجة عدد من العوامل، مثل ضعف التواصل ومحدوديته، أو عدم كفاية التخطيط، أو انعدامه، أو حدوث تغييرات في البيئة أو في تصميم البناء، أو ضعف مُراقبة الجودة، أو بسبب وجود نقص في العمالة الماهرة. وهذه الأعمال اللاحقة تكون مُكلفة فيما يتعلق بالوقت والمال، حيث يُمكن أن تتسبب في تأخير الجدول الزمني لمشروع البناء، كما تؤدي إلى زيادة تكلفة المواد والعمل. وبالإضافة إلى ذلك، يمُكن أن يكون لإعادة العمل تأثير سلبي على جودة المشاريع المُكتملة ويمكن أن يؤدي إلى تدمير سمعة المقاول.
الأسباب الرئيسية لإعادة العمل في مشروع البناء
تتنوع أسباب إعادة العمل في مشاريع البناء، ويمكن أن تنشأ نتيجة لعدة مشكلات مثل ضعف التواصل بين أعضاء الفريق، وعدم كفاية التخطيط والتصميم الأولي، والتغيرات التي تطرأ على نطاق العمل خلال تنفيذ المشروع، ومراقبة جودة العمل دون الوصول إلى المستوى المطلوب، ونقص العمالة الماهرة والمؤهلة في بعض الحالات. تلك العوامل جميعها تسهم في زيادة تعقيد المشروع وتكلفته، مما يجعل من الضروري إجراء تعديلات وإعادة العمل بهدف تصحيح الأخطاء وضمان تنفيذ المشروع بشكل أكثر دقة وجودة.
ضعف التواصل والتعاون
ضعف التواصل يعتبر السبب الرئيسي وراء حدوث إعادة العمل في مشروعات البناء، حيث يمكن أن تؤدي حالات سوء الفهم، والتفسيرات الخاطئة، ونقص المعلومات إلى وقوع أخطاء عرضية وحالات سهو وإغفال، وبالتالي، تسبب في إعادة العمل مما يتطلب تكلفة إضافية ووقت إضافي. كمثال على ذلك، إذا تلقى فريق البناء معلومات غير دقيقة بشأن موقع تركيب أنظمة الميكانيكا والكهرباء والسباكة، فإن ذلك يمكن أن ينجم عنه تركيب هذه الأنظمة في المكان الغير صحيح، مما يستدعي إعادة العمل بتكلفة إضافية ومجهود زائد.
سوء إدارة المستندات
قد يؤدي عدم تنظيم الوثائق بصورة سليمة إلى صعوبة عثور أعضاء فريق العمل على المعلومات التي يحتاجون إليها، مما يتسبب في حدوث تأخيرات وسوء تواصل، كما يُمكن أن ينتُج عن ذلك إعادة العمل، فقد يضطر فريق العمل إلى إعادة القيام بعمل ما لم يتم تنفيذه بصورة سليمة بسبب الافتقار إلى التعليمات أو المعلومات الواضحة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي سوء إدارة المستندات إلى ارتكاب أخطاء، حيث قد يعتمد أعضاء الفريق على معلومات قديمة أو غير صحيحة. وينتج عن هذا الحاجة إلى إعادة العمل، أو قد ينتج عنه حدوث مُشكلات أكثر خطورة في المستقل.
ومن ثم، فإن الإدارة السليمة للمستندات والوثائق ضرورية لضمان وصول فريق العمل إلى المعلومات الصحيحة والمُحدثة التي يحتاجون إليها لإنجاز مهامهم. ويُساهم ذلك في تجنب الاضطرابات والأخطاء، وبالتالي تقليل الحاجة إلى إعادة العمل، مما يُوفر الوقت والتكاليف اللازمة لإنجاز المشروع.
ضعف مراقبة الجودة
إذا لم يتم الالتزام بتطبيق معايير الجودة في مشاريع البناء، يمكن أن يؤدي ذلك إلى عدم اكتشاف الأخطاء والعيوب في مراحل مبكرة من التنفيذ، مما ينتج عنه الحاجة لإعادة العمل. على سبيل المثال، إذا لم يتم اختبار خليط الخرسانة بشكل صحيح للتأكد من القوة الصحيحة في المرحلة الأولى، قد يكون من الضروري إجراء إزالة واستبدال الخرسانة لاحقًا، مما يؤدي إلى تأخير في الجدول الزمني وتكاليف إضافية. لذلك، الالتزام بمعايير الجودة وإجراءات التفتيش والاختبار الدورية يلعب دورًا حاسمًا في تجنب إعادة العمل وضمان تنفيذ المشروع بكفاءة وجودة عالية.
التخطيط السيئ
يُعتبر الافتقار إلى التخطيط والتصميم السليمين أحد الأسباب الرئيسية لإعادة العمل. فعندما يكون التصميم غير مُكتمل، أو غير واضح، أو لا يحتوي على التفاصيل الكافية، قد يؤدي إلى حدوث أخطاء، واضطراب، وتغييرات في نطاق المشروع. وبالإضافة إلى ذلك، يُمكن أن يؤدي عدم كفاية التخطيط لأنشطة البناء، مثل تسلسل العمل وجدولته، إلى إعادة العمل عندما لا يكون أداء المهام بالترتيب السليم، مما يؤدي إلى إعادة العمل المُكتمل أو التراجع عنه.
نقص العمالة الماهرة
تُعد تحديات الموارد البشرية سببًا مهمًا في إعادة العمل في مشاريع البناء. ويُمكن أن يؤدي افتقار العمال إلى المهارات، والمعرفة، والخبرة، إلى ارتكاب أخطاء، أو وقوع حوادث مما يؤدي بدوره إلى إعادة العمل. فعلى سبيل المثال، إذا كان العمال الذين يقومون بتركيب أحد الأسقف يفتقرون إلى مهارات إغلاق الحواف بصورة سليمة، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث تسريبات، مما يتطلب إعادة بناء السقف.
استخدام مواد بناء رديئة الجودة
يُمكن أن يُؤدي استخدام مواد رديئة الجودة إلى حدوث مُشكلات وإعادة العمل، مما ينتج عنهما تكاليف ونفقات إضافية. كما يُمكن أن تُسفر المواد رديئة الجودة عن عيوب أو أعطال، مما يتسبب في تأخيرات وزيادة في تكاليف الإصلاح أو الاستبدال.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المواد رديئة الجودة رُبما لا تُلبي المواصفات أو المعايير المطلوبة، مما يؤدي إلى عدم الامتثال وعقوبات قانونية. مما يتسبب في نفقات إضافية للمشروع، بالإضافة إلى احتمال إلحاق الضرر بسُمعة الشركة.
وعلاوة على ذلك، فإن استخدام مواد رديئة الجودة يُمكن أن يؤثر أيضًا على الجودة الإجمالية للمشروع، ويُحتمل أن يؤدي إلى عدم رضاء العملاء أو الزبائن. وقد يُسفر هذا عن خسارة مالية للشركة. بيدَ أن مُعظم من شملهم المسح لا يعتبرون المواد الرديئة سببًا رئيسيًا في إعادة العمل في شركاتهم، بالمقارنة مع الأسباب الأخرى المذكورة.
تأثير إعادة العمل في مشاريع البناء والتشييد
لا تؤدي الأسباب إلى زيادة التكاليف المالية فحسب، بل تؤدي إلى زيادة التكاليف الأخرى أيضًا مثل تأخير مواعيد التسليم، أو تدهور علاقات العمل، أو استياء العميل، أو تضرر سمعة الشركة.
زيادة التكاليف وتأخر مواعيد التسليم: ينتج عن أخطاء التخطيط والتصميم هدر الموارد، وتحمل تكاليف إضافية للتخلص من العمل السيء، بالإضافة إلى تكاليف المواد والعمالة اللازمة لإعادة العمل. والنتيجة هي انخفاض إنتاجية الشركة وتجاوز الجدول الزمني للمشروع.
تضرر سمعة الشركة واحتمالية زيادة المطالبات: يُمكن أن تؤدي التعديلات إلى مُطالبات بسبب الإخلال بالعقد أو المشاكل القانونية، وذلك بُناء على درجة خطورة التعديلات. وتؤدي جميع هذه العوامل إلى الإضرار بسُمعة الشركة.
إهدار المواد والتأثير على البيئة
إهدار المواد في مشاريع البناء هو نتيجة أخرى لإعادة العمل، وله تأثير كبير على البيئة. على سبيل المثال، يُنتج قطاع البناء كميات كبيرة من المخلفات سنويًا، وغالبًا ما تبقى هذه المخلفات دون استخدام أو إعادة تدوير. يعني ذلك أن الموارد الطبيعية التي تم استخدامها لإنتاج هذه المواد تضيع بدون فائدة، ويتم تكديس النفايات في المزبلة، مما يسهم في تلويث البيئة واستنزاف الموارد الطبيعية. لتقليل هذا التأثير البيئي، يجب تعزيز مفهوم إعادة التدوير واستخدام المواد المعاد تدويرها في مشاريع البناء والتشييد، مما يقلل من الإهدار ويحافظ على البيئة.
التحول الرقمي للحد من تأثير التعديلات في الموقع؟
يساهم استخدام الأدوات الرقمية في تقليل إعادة العمل وزيادة الكفاءة، فبفضل تقنيات مثل برامج إدارة المشاريع ونمذجة معلومات البناء (BIM) والتطبيقات الذكية والتواصل الإلكتروني والتعاون عن بعد، يصبح من الممكن التعامل مع التعديلات والتغييرات في المشروع بشكل أفضل وأسرع. يمكن للفرق الهندسية والإدارية الوصول إلى المعلومات في الوقت الحقيقي واتخاذ الإجراءات الفورية بناءً على التحديثات الأخيرة، مما يقلل من إمكانية حدوث تأخيرات غير ضرورية أو تكرار العمل.
بالإضافة إلى ذلك، يساعد تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالمشكلات المحتملة والعمل على حلها قبل تفاقمها، مما يجعل عملية البناء أكثر سلاسة وفعالية. بالاعتماد على الأدوات الرقمية، يمكن لصناعة البناء تحسين أداءها وتقليل تكلفة إعادة العمل، مما يعود بالفائدة على الجميع، بدءًا من المقاولين وصولاً إلى العملاء والمجتمع بأسره.
زيادة دقة التصميم والتنفيذ: من خلال استخدام نمذجة المعلومات الإنشائية (BIM) والبرمجيات الهندسية الرقمية، يمكن للمهندسين إنشاء تصاميم دقيقة وثلاثية الأبعاد للمشروعات. هذا يقلل من احتمالية وجود أخطاء في التصميم وبالتالي تقليل إعادة العمل الناتجة عن تصاميم غير دقيقة.
تحسين التنسيق والتواصل: يمكن لأدوات التواصل والتعاون الرقمية أن تجمع بين أعضاء الفريق المختلفين وتساعدهم على التفاعل بشكل فعال. يمكن مناقشة التعديلات والتغييرات بسرعة واتخاذ القرارات بشكل فوري، مما يقلل من الخطأ والتباطؤ.
تقليل التكلفة: باستخدام الأدوات الرقمية، يمكن للمشروعات تقدير التكاليف بدقة أكبر وتحسين عمليات الجدولة. هذا يقلل من حدوث تأخيرات مكلفة وتوفير الموارد المالية.
الوصول إلى المعلومات في الوقت الحقيقي: تتيح التقنيات الرقمية للجميع الوصول إلى المعلومات والبيانات في الوقت الحقيقي. يمكن متابعة تقدم المشروع والتغييرات على الفور، مما يسمح بالتفاعل السريع وتحقيق التوافق.
التنبؤ بالمشكلات: باستخدام تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، يمكن للمشروعات التنبؤ بالمشكلات المحتملة واتخاذ الإجراءات الوقائية قبل تفاقمها. هذا يقلل من إعادة العمل الناتجة عن مشكلات غير متوقعة.
زيادة الشفافية: يمكن للتقنيات الرقمية أن تزيد من شفافية عمليات المشروع. يمكن للجميع الوصول إلى المعلومات ومراقبة التقدم بشكل أفضل، مما يزيد من الثقة بين الأطراف المعنية.
باختصار، تقنيات الرقمية تسهم بشكل كبير في تقليل إعادة العمل في مشروعات البناء والتشييد من خلال زيادة الدقة، وتحسين التنسيق والتواصل، وتحسين إدارة التكاليف والجدولة، وتوفير الوقت والجهد، مما يؤدي إلى تنفيذ مشاريع أكثر كفاءة ونجاحًا.
الخاتمة:
تواجه إدارة مشروعات البناء والتشييد العديد من التحديات، ومن بين هذه التحديات هي إعادة العمل التي تأتي مع تكاليف إضافية وتأخير في الجدول الزمني بالإضافة إلى تأثير إعادة العمل على البيئة واستدامة المشاريع.
إلا أن التحول الرقمي واستخدام التقنيات الرقمية قد قدما حلاً مبتكرًا للحد من هذه المشكلة. من خلال التواصل الفعّال ومشاركة المعلومات بين الفرق، واستخدام الأدوات الرقمية لتحسين عمليات التخطيط والتنفيذ، يمكن للتقنيات الرقمية أن تقلل بشكل كبير من إعادة العمل وتحسن كفاءة مشاريع البناء والتشييد.
باختصار، التزامنا بالجودة والتواصل الجيد واستخدام التكنولوجيا الرقمية يمكن أن يساعد في تقليل إعادة العمل وزيادة كفاءة مشروعات البناء والتشييد، وفي الوقت نفسه، يمكننا الحفاظ على البيئة وتحقيق استدامة في هذه الصناعة الحيوية.
اكتشف فوائد التكنولوجيا الحديثة في الحد من اعادة العمل وتحسين إدارة مشاريع البناء والتشييد، استخدم منصة PlanRadar لمدة 30 يومًا مجانًا الآن.