تعتبر صناعة البناء والتشييد من الدعائم الرئيسية لاقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تشهد معدل نمو متسارع، وتتميز باقتصادها القوي وارتفاع مستوى المعيشة. وعلى الرغم من التحديات المختلفة التي تواجه صناعة البناء، إلا انها تشهد تطورًا متزايدًا في الإمارات مدفوعًا بالتوسع العمراني والاستثمار في قطاع العقارات، ومن المتوقع أن يشهد قطاع البناء والتشييد المزيد من النمو في عام 2023.
وفي ظل حرص الإمارات العربية المتحدة على خفض بصمتها الكربونية والوصول إلى الحياد الكربوني الصفري ضمن المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050، قد شهدت صناعة البناء في الإمارات العربية المتحدة تحولًا مثيرًا للإعجاب نحو المبادرات الخضراء والتقنيات الذكية، مما خلق فرصًا جديدة للشركات والمستهلكين. ويعد هذا التطور فرصة كبيرة لتحسين عملية البناء وتقديم حلول بناء مستدامة أكثر فاعلية من خلال توظيف التكنولوجيا والأدوات الرقمية في كافة مراحل عمليات البناء.
بينما نتطلع إلى عام 2023، من المتوقع أن تستمر اتجاهات الابتكار والاستدامة في قطاع البناء في التطور لتشكل مستقبل البناء في دولة الإمارات العربية المتحدة من استخدام مواد البناء الخضراء الصديقة للبيئة التي تقلل انبعاثات الغازات الدفيئة إلى الحلول الرقمية الرائدة التي تعمل على تحسين وزيادة كفاءة استخدام الطاقة بالإضافة إلى المزيد من الاتجاهات الأخرى في صناعة البناء مثل:
-
الطلب المتزايد على ممارسات البناء المستدامة ومواد المباني الخضراء
من الاتجاهات الرئيسية في قطاع البناء في دولة الإمارات العربية المتحدة هو استخدام تقنيات وأساليب البناء المستدام والذي اكتسب زخمًا سريعًا في الإمارات على مدى السنوات القليلة الماضية، ومن المتوقع أن يتم التوسع في التحول إلى البناء الأخضر الصديق للبيئة بشكلٍ أكبر في عام 2023 مع استمرار تزايد الوعي حول فوائده وأهميته للحفاظ البيئية وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
تحرص حكومة الإمارات العربية المتحدة على ترسيخ مفهوم التنمية المستدامة وتحسين جودة حياة المقيمين بها لذا يحظى البناء المستدام باهتمام واسع، حيث تم اعتماد العديد من السياسات والاستراتيجيات لتسريع وتيرة التحول للبناء الأخضر المستدام مثل نظام التقييم بدرجات “استدامة” والذي تم أصبح إلزاميًا بجميع المباني الحكومية والسكنية في أبوظبي ونظام دبي للمباني الخضراء والذي يدعم خطة دبي الإستراتيجية لخلق بيئة حضرية مستدامة وتنمية مستدامة في الإمارة. بالإضافة إلى استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 والتي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والحفاظ على البيئة من خلال التوجه إلى الطاقة النظيفة والمتجددة لخفض انبعاثات الكربون والوصول إلى الحياد الصفري الكربوني.
ومع التوجه إلى زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وتقنيات المباني الخضراء، بدأت شركات التطوير العقاري، وشركات البناء والمقاولات في اتباع نهجًا مستدامًا عندما يتعلق الأمر بالبناء، مثل التوسع في استخدام أساليب وتقنيات البناء الخضراء التي تكون أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وتساهم في الحد من الأثر الضار لقطاع البناء على البيئة بالإضافة إلى المردود الاقتصادي والتأثير الإيجابي على جودة المعيشة للسكان.
بينما تتطلع دولة الإمارات العربية المتحدة نحو الهدف الطموح المتمثل في تحقيق انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050 ، أصبحت مواد البناء الخضراء ذات أهمية متزايدة لصناعة البناء المستدامة حيث توفر مواد البناء الخضراء مثل الكتل الخرسانية المصنوعة من الحجر الجيري العازل للحرارة واستخدام المواد المعاد تدويرها والألواح الشمسية ومواد البناء الخضراء الأخرى فرصًا واعدة للمباني الموفرة للطاقة في الإمارات العربية المتحدة.
تساعد هذه المواد الخضراء أيضًا في خفض استهلاك الطاقة من أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء مع دعم المبادرات الخضراء لتقليل الموارد المهدرة من خلال ممارسات البناء التقليدية.
تفيد أساليب وتقنيات البناء المستدام كل من شركات المقاولات والمستهلكين على حدٍ سواء: حيث يمكن للشركات زيادة الربحية وتعزيز الإنتاجية وخفض التكاليف خلال دورة حياة البناء عند تطبيق الممارسات المستدامة، بينما يستفيد المستهلكون من الهياكل الصديقة للبيئة التي تظل متينة وفعالة من حيث التكلفة بمرور الوقت وتحسين جودة الهواء والعيش في بيئة صحية. لذلك، ليس من المستغرب أن يزداد التركيز على أساليب البناء المستدام كأحد أهم التوجهات في قطاع البناء في الإمارات خلال عام 2023
-
التوسع في تطبيق أساليب المباني المعيارية والمباني الجاهزة
من المتوقع أن تزداد شعبية البناء المعياري والمباني المسبقة الصنع والتي يشار إليها باسم المباني الجاهزة في الإمارات العربية المتحدة خلال عام 2023 والذي يمكن من خلاله توفير الكثير من وقت البناء.
تُستخدم المباني الجاهزة على نطاق واسع في مشاريع البناء نظرًا لفوائدها العديدة مثل الابتكار وتقليل استهلاك الطاقة والكفاءة العالية. بالإضافة إلى ذلك، فهي تعتبر طريقة بناء صديقة للبيئة نظرًا لاستخدامها مواد معاد تدويرها وتقليل النفايات في موقع مشروع البناء.
علاوة على ذلك، تتيح التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة بواسطة أجزاء البناء الجاهزة مستوى أعلى من الدقة أثناء التصنيع مما يؤدي إلى تحسين الجودة مقارنة بأساليب البناء التقليدية.
توفر طرق البناء خارج الموقع مجموعة متنوعة من المزايا، بما في ذلك تقليل وقت البناء وميزانية البناء وتكاليف العمالة والتأثير البيئي من خلال الاستخدام الفعال للموارد الطبيعية. ومن المتوقع أن يكون البناء خارج الموقع أحد الاتجاهات الرائدة في قطاع البناء في دولة الإمارات العربية المتحدة ودول الشرق الأوسط الأخرى في عام 2023.
-
التحول الرقمي في صناعة البناء والتشييد
مع التقدم السريع في التكنولوجيا، أصبحت شركات البناء الآن قادرة على إكمال المشاريع بشكل أسرع وبكفاءة أعلى ومع النمو المتسارع لقطاع البناء في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبفضل البنية التحتية الرقمية الرائدة في الدولة، أصبح استخدام التكنولوجيا في مشاريع البناء شائعًا بشكل متزايد خلال السنوات القليلة الماضية واحد الاتجاهات الرائجة في صناعة البناء في عام 2023
يمكن استخدام التقنيات الرقمية مثل الحوسبة السحابية وبرمجيات إدارة البناء والتشييد لتبسيط العمليات مثل التخطيط والتصميم وإدارة المشروع وتقدير التكلفة ومراقبة الجودة والجدولة، كما يمكن استخدام تلك البرمجيات لحساب تكلفة المواد المطلوبة وتصميم مباني صديقة للبيئة مثل تقنيات التصميم التوليدي ونمذجة معلومات البناء BIM كما يمكن استخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء هياكل معقدة بسرعة وكفاءة.
بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) لتوفير عرض في الوقت الفعلي للمشاريع من أي مكان أو زاوية فقد أتاحت التطورات الأخيرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلات المساعدة بشكل فعال في عمليات صنع القرار لشركات البناء.
يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحديد الأنماط التي قد يفوتها البشر بطريقة أخرى وتقديم تنبؤات دقيقة حول تكاليف المشروع أو الجداول الزمنية، كما يُمكن استخدامه أيضًا للصيانة التنبؤية للمعدات المستخدمة في مشاريع البناء.
من المتوقع أنه في عام 2023 سيكون هناك اعتماد متزايد على تقنيات مثل بلوكتشين وأتمتة العمليات الروبوتية حيث يمكن لتقنية استخدام تقنية بلوكتشين للتخزين الآمن للمعلومات المتعلقة بمشاريع البناء بينما ستعمل تقنية وأتمتة العمليات الروبوتية على أداء المهام الشاقة مثل معالجة المستندات أو إدخال البيانات.
تزايد اعتماد تقنيات المباني الذكية على مدى السنوات القليلة الماضية، ومن المتوقع أن يتوسع هذا الاتجاه حتى عام 2023. حيث تسمح تقنيات المباني الذكية بالأتمتة والإدارة عن بُعد لأنظمة ومعدات البناء وهذا يعني أن مديري مواقع البناء ومالكي العقارات يمكنهم بسهولة مراقبة ممتلكاتهم عن بُعد وإجراء التغييرات اللازمة دون الحاجة إلى زيارة مواقعهم فعليًا. كما تساعد تقنيات البناء الذكية أيضًا في تقليل استهلاك الطاقة، مما يجعلها أكثر صداقة للبيئة من الطرق التقليدية.
-
كفاءة استخدام الطاقة
من أهم اتجاهات قطاع البناء في الإمارات خلال عام 2023 هو تعزيز كفاءة استخدام الطاقة والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة واستجابة لذلك، تم الكشف عن استراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة للطاقة 2050 كخريطة طريق طموحة نحو خفض انبعاثات الكربون بنسبة 70%، مع مضاعفة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في توليد الطاقة، ووضع تدابير مبتكرة لتحقيق التنمية المستدامة في كافة القطاعات الاقتصادية.
أصبحت كفاءة استخدام الطاقة محط تركيز شركات البناء في الإمارات العربية المتحدة على مدى السنوات القليلة الماضية لما له من المردود الاقتصادي في توفير تكاليف تشغيل المباني والمنشآت.
ولتلبية هذا الطلب، تم تطوير العديد من التقنيات الجديدة ومواد البناء الصديقة للبيئة لتقليل استهلاك الطاقة وتشمل هذه التقنيات استخدام مواد بناء موفرة للطاقة، والألواح الشمسية، وأنظمة الإضاءة الموفرة للطاقة، وأجهزة استشعار الحركة.
بالإضافة إلى ذلك، تم إدخال أنظمة التشغيل الآلي للمباني للتحكم في التدفئة والتهوية وتكييف الهواء (HVAC) والإضاءة والوظائف الأخرى في المباني حيث تساعد هذه الأنظمة في تحسين استخدام الطاقة مع توفير بيئة داخلية صحية محسنة للمقيمين.
لوائح وتشريعات ترشيد استهلاك الطاقة
بالإضافة إلى تعزيز استخدام الطاقة المتجددة في مشاريع البناء، أطلقت حكومة الإمارات العربية المتحدة أيضًا العديد من التشريعات واللوائح لتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة. حيث تتطلب اللوائح تصميم المباني وإنشائها بمواد تقلل من فقد الحرارة أو اكتسابها من العناصر الخارجية مثل ضوء الشمس أو الطقس البارد.
كما أطلقت وزارة الطاقة والبنية التحتية الحملة الوطنية للترشيد “رشد لتدوم” بهدف ترشيد استهلاك الطاقة والمياه في عدد من القطاعات. يمكن أن تساعد هذه التدابير في تقليل التكاليف التشغيلية لأصحاب المباني بسبب انخفاض فواتير الكهرباء من انخفاض استخدام تكييف الهواء خلال فترات الذروة وكذلك تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري
-
التوجه إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة
تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة بنشاط على الترويج لمصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وجدير بالذكر تعد الإمارات حاليًا موطنًا لواحدة من أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم؛ مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 5000 ميجاوات بحلول عام 2030، سيقلل أكثر من 6.5 مليون طن من انبعاثات الكربون سنويًا.
كما تقدم الحكومة حوافز للأفراد والشركات الذين يقومون بتركيب الألواح الشمسية على أسطح منازلهم. تهدف هذه الحوافز إلى تشجيع المزيد من الناس على الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مع مساعدتهم على توفير المال على فواتير الكهرباء بمرور الوقت.
بالإضافة إلى الطاقة الشمسية، اكتسبت أشكال أخرى من مصادر الطاقة المتجددة مثل توربينات الرياح زخمًا في السنوات الأخيرة مع بعض المشاريع الجارية بالفعل أو المنجزة داخل البلاد.
تم تصميم هذه المشاريع لتوليد الكهرباء النظيفة من موارد الرياح الطبيعية، مما يساعد على تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري مع توفير فوائد اقتصادية للمجتمعات المحلية من خلال خلق فرص العمل وفرص الأعمال الجديدة.
الخاتمة:
أصبح من الواضح بشكل متزايد أن اتجاهات قطاع البناء في الإمارات العربية المتحدة خلال 2023 ستركز بشكل كبير على الاستدامة في ظل توجه حكومة دولة الإمارات للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والوصول إلى الحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2050، إلى جانب الطلب المتزايد على أساليب وتقنيات البناء الأخضر، تتخذ صناعة البناء في الإمارات العربية المتحدة العديد من الخطوات لتلبية الاهتمام المتزايد بسرعة بممارسات البناء المستدامة. تدعم هذه الاتجاهات في قطاع البناء توجهات التنمية المستدامة، بالإضافة إلى المساعدة في خفض التكاليف التشغيلية وترشيد استهلاك الطاقة.
استخدم منصة PlanRadar مجانًا لمدة 30 يومًا أو اتصل بنا لمعرفة كيف يُمكن لـمنصة PlanRadar دعم مشروعاتك في التحول إلى الحياد الصفري الكربوني من أجل مستقبل مستدام.